الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **
بما قدمنا من الروايات المصرحة بأن التحريم بعد الإباحة ومعرفة المتأخر كافية في الدلالة على النسخ، وقد روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما رجعا عن القول بإباحة ربا الفضل، قال البيهقي في " السنن الكبرى " ما نصّه: " باب ما يستدل به على رجوع من قال من الصدر الأول لا ربا إلا في النسيئة عن قوله ونزوعه عنه " أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ: أنا أبو الفضل بن إبراهيم، حدّثنا أحمد بن سلمة، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الأعلى، حدّثنا داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، قال: سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسًا، وإني لقاعد عند أبي سعيد الخدري فسألته عن الصرف، فقال: ما زاد فهو ربا، فأنكرت ذلك، لقولهما، فقال: لا أحدثكم إلا ما سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: جاءه صاحب نخلة: بصاع من تمر طيب، وكان تمر النبيّ صلى الله عليه وسلم هو الدون، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: " أنى لك هذا ؟ " قال: انطلقت بصاعين واشتريت به هذا الصاع؛ فإن سعر هذا بالسوق كذا، وسعر هذا بالسوق كذا. فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: " أربيت ؟ إذا أردت ذلك فبع تمرك بسلعة، ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت "، فقال أبو سعيد: فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا، أم الفضة بالفضة ؟ قال: فأتيت ابن عمر بعد فنهاني، ولم آت ابن عباس قال: فحدّثني أبو الصهباء أنه سأل ابن عباس فكرهه، رواه مسلم في " الصحيح " عن إسحاق بن إبراهيم، وقال: وكان تمر النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا اللون. أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الحافظ، حدثنا الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين أبو علي الماسرجسي، حدثنا جدي أبو العباس أحمد بن محمد، وهو ابن بنت الحسن بن عيسى، حدثنا جدي الحسن بن عيسى، أنا ابن المبارك، أنا يعقوب بن أبي القعقاع، عن معروف بن سعد، أنه سمع أبا الجوزاء يقول: كنت أخدم ابن عباس تسع سنين إذ جاء رجل فسأله عن درهم بدرهمين، فصاح ابن عباس وقال: إن هذا يأمرني أن أطعمه الربا، فقال ناس حوله: إن كنا لنعمل هذا بفتياك، فقال ابن عباس: قد كنت أفتي بذلك حتى حدثني أبو سعيد وابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عنه فأنا أنهاكم عنه، وفي نسختنا من " سنن البيهقي " في هذا الإسناد ابن المبارك، والظاهر: أن الأصل أبو المبارك كما يأتي. أخبرنا أبو الحسين ابن الفضل القطان ببغداد، أنا عبد اللَّه بن جعفر بن درستويه، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا عبيد اللَّه بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عند سعد بن إياس، عن عبد اللَّه بن مسعود، أن رجلاً من بني شمخ بن فزارة، سأله عن رجل تزوج امرأة فرأى أمها فأعجبته، فطلق امرأته؛ ليتزوج أمها، قال: لا بأس فتزوجها الرجل، وكان عبد اللَّه على بيت المال، وكان يبيع نفاية بيت المال يعطي الكثير، ويأخذ القليل، حتى قدم المدينة، فسأل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا: لا يحل لهذا الرجل هذه المرأة، ولا تصح الفضة إلا وزنًا بوزن؛ فلما قدم عبد اللَّه انطلق إلى الرجل فلم يجده، ووجد قومه فقال: إن الذي أفتيت به صاحبكم لا يحل، فقالوا: إنها قد نثرت له بطنها، قال وإن كان. وأتى الصيارفة فقال: يا معشر الصيارفة، إن الذي كنت أبايعكم، لا يحل، لا تحل الفضة بالفضة، إلا وزنًا بوزن.اهـ من البيهقي بلفظه، وفيه التصريح برجوع ابن عمر وابن عباس وابن مسعود عن القول بإباحة ربا الفضل. وقال ابن حجر في الكلام على حديث أسامة المذكور ما نصّه: وخالف فيه؛ يعني: منع ربا الفضل ابن عمر ثم رجع، وابن عباس، واختلف في رجوعه، وقد روى الحاكم من طريق حيان العدوي وهو بالمهملة والتحتانية، سألت أبا مجلز عن الصرف فقال: كان ابن عباس لا يرى به بأسًا زمانًا من عمره، ما كان منه عينًا بعين، يدًا بيد، وكان يقول: إنما الربا في النسيئة، فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث، وفيه التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة، يدًا بيد، مثلاً بمثل، فما زاد فهو ربا، فقال ابن عباس: أستغفر اللَّه وأتوب إليه، فكان ينهى عنه أشد النهي.ا هـ من " فتح الباري " بلفظه.وفي " تكملة المجموع " لتقي الدين السبكي بعد أن ساق حديث حيان هذا ما نصّه: رواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة، وفي حكمه عليه بالصحة نظر؛ فإن حيان بن عبيد اللَّه المذكور، قال ابن عدي: عامة ما يرويه إفرادات يتفرد بها، وذكر ابن عدي في ترجمته حديثه في الصرف هذا بسياقه، ثم قال: وهذا الحديث من حديث أبي مجلز عن ابن عباس، تفرد به حيان، قال البيهقي: وحيان تكلموا فيه، واعلم أن هذا الحديث ينبغي الاعتناء بأمره، وتبيين صحته من سقمه؛ لأمر غير ما نحن فيه، وهو قوله: وكذلك ما يكال ويوزن، وقد تكلم فيه بنوعين من الكلام أحدهما تضعيف الحديث جملة، وإليه أشار البيهقي، وممن ذهب إلى ذلك ابن حزم، أعله بشىء أنبه عليه، لئلا يغتربه: وهو أنه أعله بثلاثة أشياء. أحدها: أنه منقطع؛ لأن أبا مجلز لم يسمع من أبي سعيد، ولا من ابن عباس. والثاني: لذكره أن ابن عباس رجع، واعتقاد ابن حزم: أن ذلك باطل؛ لمخالفة سعيد بن جبير. والثالث: أن حيان بن عبيد اللَّه مجهول. فأما قوله: إنه منقطع فغير مقبول؛ لأن أبا مجلز أدرك ابن عباس وسمع منه، وأدرك أبا سعيد. ومتى ثبت ذلك لا تسمع دعوى عدم السماع إلا بثبت، وأما مخالفة سعيد بن جبير فسنتكلم عليها في هذا الفصل إن شاء اللَّه تعالى، وأما قوله إن حيان بن عبيد اللَّه مجهول، فإن أراد مجهول العين فليس بصحيح بل هو رجل مشهور، روى عنه حديث الصرف هذا محمد بن عبادة، ومن جهته أخرجه الحاكم، وذكره ابن حزم، وإبراهيم بن الحجاج الشامي، ومن جهته رواه ابن عدي، ويونس بن محمد، ومن جهته رواه البيهقي، وهو حيان بن عبيد اللَّه بن حيان بن بشر بن عدي، بصري سمع أبا مجلز لاحق بن حميد والضحاك، وعن أبيه، وروى عن عطاء، وابن بريدة، روى عنه موسىا بن اسماعيل، ومسلم بن إبراهيم، وأبو داود، وعبيد اللَّه بن موسى، عقد له البخاري وابن أبي حاتم ترجمة، فذكر كل منهما بعض ما ذكرته، وله ترجمة في كتاب ابن عدي أيضًا، كما أشرت إليه، فزال عنه جهالة العين، وإن أراد جهالة الحال فهو قد رواه من طريق إسحاق بن راهويه. فقال في إسناده: أخبرنا روح، قال حدثنا حيان بن عبيد اللَّه، وكان رجل صدق فإن كانت هذه الشهادة له بالصدق من روح بن عبادة، فروح محدّث، نشأ في الحديث عارف به، مصنف متفق على الاحتجاج به، بصري بلدي المشهود له فتقبل شهادته له، وإن كان هذا القول من إسحاق بن راهويه فناهيك به، ومن يثني عليه إسحاق. وقد ذكر ابن أبي حاتم حيان بن عبيد اللَّه هذا. وذكر جماعة من المشاهير ممن رووا عنه وممن روى عنهم، وقال: إنه سأل أباه عنه فقال: صدوق، ثم قال: وعن سليمان بن علي الربعي، عن أبي الجوزاء أوس بن عبد اللَّه الربعي، قال سمعته يأمر بالصرف، يعني ابن عباس، وتحدث ذلك عنه، ثم بلغني أنه رجع عن ذلك فلقيته بمكة، فقلت إنه بلغني أنك رجعت، قال: نعم، إنما كان ذلك رأيًا مني، وهذا أبو سعيد حدّث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصرف، رويناه في سنن ابن ماجه، ومسند الإمام أحمد، بإسناد رجاله على شرط الصحيحين، إلى سليمان بن علي، وسليمان بن علي روى له مسلم. وقال ابن حزم: إنه مجهول لا يدري من هو ؟ وهو غير مقبول منه؛ لما تبين. ثم قال: وعن أبي الجوزاء قال: كنت أخدم ابن عباس رضي اللَّه عنهما تسع سنين ثم ساق حديث أبي الجوزاء عن ابن عباس، الذي قدمنا عن البيهقي، ثم قال: رواه البيهقي في " السنن الكبرى " بإسناد فيه أبو المبارك، وهو مجهول. ثم قال: وروينا عن عبد الرحمان بن أبي نُعْم، بضم النون وإسكان العين ـ، أن أبا سعيد الخدري لقي ابن عباس، فشهد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مثلاً بمثل، فمن زاد فقد: أربى " فقال ابن عباس: أتوب إلى اللَّه مما كنت أفتي به، ثم رجع. رواه الطبراني بإسناد صحيح، وعبد الرحمان بن أبي نعم تابعي، ثقة متفق عليه، معروف بالرواية عن أبي سعيد، وابن عمر، وغيرهما من الصحابة، وعن أبي الجوزاء قال: سألت ابن عباس عن الصرف عن الدرهم بالدرهمين، يدًا بيد، فقال: لا أرى فيما كان يدًا بيد بأسًا، ثم قدمت مكة من العام المقبل وقد نهى عنه، رواه الطبراني بإسناد حسن. وعن أبي الشعثاء قال: سمعت ابن عباس يقول: اللّهمّ إني أتوب إليك من الصرف؛ إنما هذا من رأيي، وهذا أبو سعيد الخدري يرويه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، رواه الطبراني ورجاله ثقات، مشهورون مصرحون بالتحديث فيه من أولهم إلى آخرهم. عن عطية العوفي بإسكان الواو وبالفاء قال: قال أبو سعيد لابن عباس: تب إلى اللَّه تعالى، فقال: أستغفر اللَّه وأتوب إليه، قال: ألم تعلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وقال: " إني أخاف عليكم الربا "، قال فضيل بن مرزوق: قلت لعطية: ما الربا ؟ قال: الزيادة والفضل بينهما، رواه الطبراني بسند صحيح، إلى عطية. وعطية من رجال السنن. قال يحيى بن معين: صالح وضعفه غيره، فالإسناد بسببه ليس بالقوي. وعن بكر بن عبد اللَّه المزني أن ابن عباس جاء من المدينة إلى مكة وجئت معه، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنه لا بأس بالصرف، ما كان منه يدًا بيد إنما الربا في النسيئة، فطارت كلمته في أهل المشرق والمغرب، حتى إذا انقضى الموسم دخل عليه أبو سعيد الخدري، وقال له: با ابن عباس أكلت الربا وأطعمته ؟ قال: أو فعلت ؟ قال: نعم، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب، وزنًا بوزن، مثلاً بمثل: تبره وعينه. فمن زاد أو استزاد فقد أربى، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، فمن زاد أو استزاد فقد أربى "، حتى إذا كان العام المقبل جاء ابن عباس وجئت معه، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني تكلمت عام أول بكلمة من رأيي، وإني أستغفر اللَّه تعالى منه، وأتوب إليه، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: " الذهب بالذهب، وزنًا بوزن، مثلاً بمثل، تبره وعينه، فمن زاد واستزاد فقد أربى "، وأعاد عليهم هذه الأنواع الستة؛ رواه الطبراني بسند فيه مجهول، وإنما ذكرناه متابعة لما تقدم. وهكذا وقع في روايتنا: فمن زاد واستزاد بالواو لا بأو واللَّه أعلم. وروى أبو جابر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي في كتاب " المعاني والآثار " بإسناد حسن إلى أبي سعيد قال: قلت لابن عباس: أرأيت الذي يقول الدينار بالدينار ؟ وذكر الحديث ثم قال: قال أبو سعيد ونزع عنها ابن عباس وروى الطحاوي أيضًا عن نصر بن مرزوق بإسناد لا بأس به عن أبي الصهباء أن ابن عباس نزل عن الصرف وهذا أصرح من رواية مسلم، وروى الطحاوي عن أبي أُمية بإسناد حسن، إلى عبد اللَّه بن حسين، أن رجلاً من أهل العراق قال لعبد اللَّه بن عمر: إن ابن عباس قال وهو علينا أمير: من أعطى بالدرهم مائة درهم فليأخذها وذكر حديثًا إلى أن قال: فقيل لابن عباس: ما قال ابن عمر ؟ قال: فاستغفر ربه، وقال: إنما هو رأي مني. وعن أبي هاشم الواسطي واسمه يحيى بن دينار عن زياد قال: كنت مع ابن عباس بالطائف فرجع عن الصرف قبل أن يموت بسبعين يومًا، ذكره ابن عبد البر في " الاستذكار "، وذكر أيضًا عن أبي حرة قال: سأل رجل ابن سيرين عن شىء فقال: لا علم لي به. فقال الرجل: أن يكون فيه برأيك. فقال: إني أكره أن أقول فيه برأيي ثم يبدو لي غيره فأطلبك فلا أجدك، إن ابن عباس قد رأى في الصرف رأيًا ثم رجع، وذكر أيضًا عن ابن سيرين عن الهذيل، بالذال المعجمة، ابن أخت محمد بن سيرين قال: سألت ابن عباس عن الصرف فرجع عنه فقلت: إن الناس يقولون، فقال: الناس يقولون ما شاءوا.اهـ من " تكملة المجموع "، ثم قال بعد هذا: فهذه عدة روايات صحيحة وحسنة من جهة خلق من أصحاب ابن عباس تدل على رجوعه، وقد روي في رجوعه أيضًا غير ذلك، وفيما ذكرته غنية إن شاء اللَّه تعالى. وفي " تكملة المجموع " أيضًا قبل هذا ما نصه: وروى عن أبي الزبير المكي، واسمه محمد بن تدرس، بفتح التاء ودال ساكنة وراء مضمومة وسين مهملة، قال: سمعت أبا أسيد الساعدي وابن عباس يفتي الدينار بالدينارين فقال له أبو أسيد الساعدي وأغلظ له قال: فقال ابن عباس: ما كنت أظن أن أحدًا يعرف قرابتي من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول مثل هذا يا أبا أسيد ؟ فقال أبو أسيد: أشهد لسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: " الدينار بالدينار، وصاع حنطة بصاع حنطة، وصاع شعير بصاع شعير، وصاع ملح بصاع ملح لا فضل بينهما في شىء من ذلك ". فقال ابن عباس: إنما هذا شىء كنت أقوله برأيي ولم أسمع فيه بشىء، رواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: إنه صحيح على شرط مسلم رحمه الله وفي سنده عتيق بن يعقوب الزبيري، قال الحاكم: إنه شيخ قرشي من أهل المدينة وأبو أُسيد، بضم الهمزة. وروينا في " معجم الطبراني " من حديث أبي صالح ذكوان أنه سأل ابن عباس عن بيع الذهب والفضة فقال: هو حلال بزيادة أو نقصان إذا كان يدًا بيد، قال أبو صالح: فسألت أبا سعيد بما قال ابن عباس، وأخبرت ابن عباس بما قال أبو سعيد، والتقيا وأنا معهما فابتدأه أبو سعيد الخدري فقال: يا ابن عباس ما هذه الفتيا التي تفتي بها الناس في بيع الذهب والفضة تأمرهم أن يشتروه بنقصان أو بزيادة يدًا بيد ؟ فقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ما أنا بأقدمكم صحبة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهذا زيد بن أرقم والبراء بن عازب يقولان: سمعنا النبيّ صلى الله عليه وسلم، رواه الطبراني بإسناد حسن وقد قدمنا رجوع ابن عمر وابن مسعود عن ذلك، وقد قدمنا الجواب عما روي عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد رضي اللَّه عنهم
وثبت عن سعيد بن جبير أن ابن عباس لم يرجع وهي شهادة على نفي مطلق، والمثبت مقدم على النافي؛ لأنه اطلع على ما لم يطلع عليه النافي، وقال ابن عبد البر: رجع ابن عباس أو لم يرجع، في السنة كفاية عن قول كل واحد، ومن خالفها رد إليها، قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: ردوا الجهالات إلى السنة. اهـ وقال: العلامة الشوكاني رحمه اللَّه في " نيل الأوطار " ما نصه: وأما ما أخرجه مسلم، عن ابن عباس أنه لا ربا فيما كان يدًا بيد كما تقدم، فليس ذلك مرويًا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى تكون دلالته على نفي ربا الفضل منطوقة، ولو كان مرفوعًا، لما رجع ابن عباس واستغفر، لما حدثه أبو سعيد بذلك كما تقدم، وقد روى الحازمي رجوع ابن عباس واستغفاره عند أن سمع عمر بن الخطاب وابنه عبد اللَّه يحدثان عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بما يدل على تحريم ربا الفضل، وقال: حفظتما من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما لم أحفظ، وروى عنه الحازمي أيضًا أنه قال: كان ذلك برأيي. وهذا أبو سعيد الخدري يحدثني عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فتركت رأيي إلى حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وعلى تسليم أن ذلك الذي قاله ابن عباس مرفوع فهو عام مخصص بأحاديث الباب؛ لأنها أخص منه مطلقًا.اهـ منه بلفظه، وقد ذكر غير واحد أن الإجماع انعقد بعد هذا الخلاف على منع ربا الفضل. قال: في " تكملة المجموع " ما نصه: الفصل الثالث في بيان انقراض الخلاف في ذلك ودعوى الإجماع فيه، قال ابن المنذر: أجمع علماء الأمصار مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة، وسفيان الثوري ومن وافقه من أهل العراق، والأوزاعي ومن قال بقوله من أهل الشام، والليث بن سعد ومن وافقه من أهل مصر، والشافعي وأصحابه، وأحمد وإسحاق وأبو ثور والنعمان ويعقوب ومحمد بن علي، أنه لا يجوز بيع ذهب بذهب، ولا فضة بفضة، ولا بر ببر، ولا شعير بشعير، ولا تمر بتمر، ولا ملح بملح، متفاضلاً يدًا بيد، ولا نسيئة، وأن من فعل ذلك فقد أربى والبيع مفسوخ. اهـ محل الغرض منه بلفظه. ونقل النووي في " شرح مسلم " إجماع المسلمين على ترك العمل بظاهر حديث أسامة قال: وهذا يدل على نسخه، وقد استدل ابن عبد البرّ على صحة تأويله لحديث أسامة بإجماع الناس، ما عدا ابن عباس عليه.اهـ، وعلى فرض أن ابن عباس لم يرجع عن ذلك، فهل ينعقد الإجماع مع مخالفته ؟ فيه خلاف معروف في الأصول، هل يلغي الواحد والاثنان أو لا بد من اتفاق كل وهو المشهور، وهل إذا مات وهو مخالف ثم انعقد الإجماع بعده يكون إجماعًا ؟ وهو الظاهر، أو لا يكون إجماعًا؛ لأن المخالف الميت لا يسقط قوله بموته، خلاف معروف في الأصول أيضًا. وإذا عرفت أن من قال بإباحة ربا الفضل رجع عنها، وعلمت أن الأحاديث الصحيحة المتفق عليها مصرحة بكثرة بمنعه، علمت أن الحق الذي لا شك فيه تحريم ربا الفضل، بين كل جنس واحد من الستة مع نفسه، وجواز الفضل بين الجنسين المختلفين يدًا بيد، ومنع النساء بين الذهب والفضة مطلقًا، وبين التمر والبر، والشعير والملح مطلقًا، ولا يمنع طعام بنقد نسيئة كالعكس، وحكى بعض العلماء على ذلك الإجماع، ويبقى غير هذه الأصناف الستة المنصوص عليها في الحديث، فجماهير العلماء على أن الربا لا يختص بالستة المذكورة. والتحقيق أن علة الربا في النقدين كونهما جوهرين نفيسين. هما ثمن الأشياء غالبًا في جميع أقطار الدنيا، وهو قول مالك والشافعي، والعلة فيهما قاصرة عليهما عندهما، وأشهر الروايات عن أحمد أن العلة فيهما كون كل منهما موزون جنس، وهو مذهب أبي حنيفة. وأما البر والشعير والتمر والملح فعلة الربا فيها عند مالك الاقتيات والادخار، وقيل وغلبة العيش فلا يمنع ربا الفضل عند مالك وعامة أصحابه إلا في الذهب بالذهب والفضة بالفضة والطعام المقتات المدخر بالطعام المقتات المدخر، وقيل يشترط مع الاقتيات والادخار غلبة العيش، وإنما جعل مالك العلة ما ذكر؛ لأنه أخص أوصاف الأربعة المذكورة، ونظم بعض المالكية ما فيه ربا النساء وربا الفضل عند مالك في بيتين وهما: رباء نسا في النقد حرم ومثله طعام وإن جنساهما قد تعددا وخص ربا فضل بنقد ومثله طعام الربا إن جنس كل توحدا
|